الجزء الرابع
الاشتراكية
نرى مما تقدم ان ماركس يخلص الى ان المجتمع الراسمالي سيتحول حتما الى مجتمع اشتراكي وهو يستخلص ذلك استخلاصا تاما و على وجه الحصر من القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث. ان جعل العمل اجتماعيا ان هذه العملية التي تتقدم بسرعة متزايدة ابدا و بالوف الاشكال و التي ظهرت بوجه خاص خلال النصف القرن الذي انقضى على وفاة ماركس في توسع الصناعة الكبيرة و الكارتيلات و السنديكات و التروستات الراسمالية و في التطور الاسطوري لنسب راس المال المالي و قوته ذلك هو الاساس المادي الرئيسي لمجيء الاشتراكية الذي لا مناص منه. ان المحرك الفكري و المعنوي و العامل المادي لهذا التحول انما هو البروليتاريا التي تثقفها الراسمالية نفسها. ان نضال البروليتاريا ضد البرجوازية, الذي يتخذ اشكالا مختلفة و محتوى يغتني باستمرار , يصبح حتما نضالا سياسيا يرمي الى استيلاء البروليتاريا على الحكم السياسي ("ديكتاتورية البروليتاريا"). و لابد لعملية جعل الانتاج اجتماعيا من ان تجعل وسائل الانتاج ملكية اجتماعية و ان تؤدي الى "انتزاع الملكية من مغتصبيها". ان التزايد الضخم في انتاجية العمل و انقاص يوم العمل و احلال العمل التعاوني المتقن محل بقايا الانتاج الصغير البدائي المبعثر و على انقاضه تلك هي النتائج المباشرة لهذا التحول. ان الراسمالية تقطع نهائيا الروابط التي تصل الزراعة بالصناعة و لكنها في الوقت نفسه تهيئ بتطورها الاكثر تقدما العناصر الجديدة لهذا الترابط و تهيئ اتحاد الصناعة بالزراعة على اساس تطبيق العلم تطبيقا واعيا, و على اساس تنسيق العمل التعاوني و توزيع جديد للسكان (وضع حد لعزلة الريف عن العالم و ما يعانيه من تخلف وعزلة و توحش, و كذلك لتكدس عدد ضخم من السكان في المدن الكبيرة على نحو غير طبيعي). ان الاشكال العليا للراسمالية الحديثة تهيئ شكلا جديدا للعائلة و شروطا جديدة للمراة و لتربية الاجيال الناشئة. فان عمل النساء و الاولاد و احلال العائلة البطريركية بسبب النظام الراسمالي ياخذان حتما في المجتمع الحديث اكثر الاشكال فظاعة و اشدها تدميرا و تنفيرا. ومع ذلك "فالصناعة الكبيرة باعطائها النساء و الاحداث و الاولاد من الجنسين دورا حاسما في عملية الانتاج المنظمة اجتماعيا خارج النطاق العائلي تخلق اساسا اقتصاديا جديدا لشكل اعلى من اشكال العائلة و العلاقات بين الجنسين. و من الخرق طبعا ان يعتبر بمثابة شيء مطلق سواءا الشكل الجرماني المسيحي للعائلة ام الاشكال القديمة الرومانية و اليونانية و الشرقية التي تؤلف من جهة اخرى سلسلة واحدة من التطورات التاريخية المتعاقبة. و من البديهي ايضا ان تركيب الهيئة العمالية المختلطة عن طريق اجتماع افراد من الجنسين و من مختلف الاعمار – مع كونه في شكله الرسمي العفوي الفظ حيث العامل موجود من اجل عملية الانتاج و ليس عملية الانتاج موجودة من اجل العامل يؤلف ينبوعا موبوءا للافساد و الاستعباد – ان هذا التركيب يجب ان يتحول بالعكس في ظروف مؤاتية الاى ينبوع الى التطور الانساني" ("راس المال" المجلد الاول نهاية الفصل الثالث عشر). ان نظام المصنع يبين لنا "بذور التربية في المستقبل هذه التربية التي ستوحد العمل المنتج لجميع الاولاد فوق سن معينة مع التعليم و الرياضة و ذلك ليس فقط بمثابة طريقة تهدف الى زيادة الانتاج الاجتماعي بل بمثابة الطريقة الوحيدة الفريدة لانتاج رجال متطورين من كل النواحي" (المصدر نفسه). وعلى الاساس التاريخي نفسه تضع اشتراكية ماركس قضيتي القومية و الدولة لا لتفسير الماضي و حسب بل لتحديد التنبؤات بجراة و للقيام بعمل مقدام في سبيل تحقيقها. ان الامم هي الانتاج و الشكل الحتميان للمرحلة البرجوازية من التطور الاجتماعي. ان الطبقة العاملة لم تستطع ان تقوي نفسها و تنضج و تتطون الا "بتكوين نفسها ضمن الحدود القومية" دون ان تكون "قومية " ("وان لم يكن اطلاقا بالمعنى البرجوازي للكلمة"). و الحال ان تطور الراسمالية لا ينفك يحطم الحدود القومية و يهدم العزلة القومية يحل التناحرات الطبقية محل التناحرات القومية. و لهذا يكون من الصحيح تماما "ان ليس للعمال وطن" في البلدان الراسمالية المتطورة و ان "توحيد جهود" العمال في البلدان المتمدنة على الاقل "هو احد الشروط الاولية لتحرر البروليتاريا" ("البيان الشيوعي"). اما الدولة, هذا العنف المنظم, فقد ظهرت ظهورا حتميا عند درجة معينة من تطور المجتمع, حينما اصبح المجتمع منقسما الى طبقات, لا يمكن التوفيق بينها و لم يعد في طوقه ان يعيش بدون "سلطة" موضوعة كما يزعم فوق المجتمع و مفصولة عنه الى حد ما. و هذه الدولة التي ولدت في قلب التناحرات الطبقية تصبح "دولة الطبقة الاقوى الطبقة المسيطرة اقتصاديا و التي تغدو ايضا بفضل الدولة الطبقة المسيطرة سياسيا, و هكذا تكتسب وسائل جديدة لاخضاع الطبقة المظلومة و استثمارها. و على هذا النحو كانت الدولة القديمة قبل كل شيء دولة ملاكي عبيد لاخضاع العبد كما ان الدولة الاقطاعية كانت جهاز النبلاء لاخضاع الفلاحين الاقنان و كما ان الدولة التمثيلية الحديثة هي اداة استثمار الراسماليين للعمال الماجورين" (انجلس في كتاب "اصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة" حيث عرض وجهات نظره ووجهات نظر ماركس). وحتى الشكل الاوفر حرية و الاكثر تقدما للدولة البرجوازية و نعني به الجمهورية الديمقراطية لا يلغي ابدا هذا الواقع بل يعدل شكله فقط (ارتباط الحكومة بالبورصة, رشوة الموظفين و الصحافة, على نحو مباشر و غير مباشر الخ.). ان الاشتراكية اذ تقود الى الغاء الطبقات تقود بالتالي الى الغاء الدولة. "ان اول عمل تثبت به الدولة فعلا انها تمثل المجتمع باسره – اي الاستيلاء على وسائل الانتاج في صالح المجتمع باسره – هو في الوقت نفسه اخر عمل خاص بها بوصفها دولة. ان تدخل سلطة الدولة في العلاقات الاجتماعية يصبح نافلا في ميدان بعد اخر ثم يتلاشى من تلقاء نفسه. و محل حكم الاشخاص تحل ادارة الاشياء و قيادة عملية الانتاج. ان الدولة "لا تلغى", انها "تضمحل" (انجلس, "ضد دوهرنغ"). "ان المجتمع الذي سينظم الانتاج على اساس المشاركة الحرة المتساوية بين المنتجين سيعيد كل الة الدولة الى المكان اللائق بها: متحف الاثار الى جانب المغزل اليدوي و الفاس البرونزية (انجلس, "اصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة").
واخيرا من الاهمية بمكان ان نشير في معرض موقف اشتراكية ماركس من الفلاح الصغير الذي سيبقى موجودا ايضا في مرحلة انتزاع الملكية من مغتصبيها الى هذا البيان من انجلس الذي يعبر عن راي ماركس: "عندما تصبح سلطة الدولة في ايدينا لن يكون بالامكان ان يخطر ببالنا ان ننتزع ملكية الفلاحين الصغار بعنف (بتعويض او بغير تعويض سيان) مثلما سنكون مضطرين لان نفعل بالنسبة لكبار الملاكين العقاريين. ان مهمتنا تجاه الفلاح الصغير ستكون قبل كل شيء توجيه انتاجه الخاص في السبيل التعاوني, لا بواسطة العنف, بل عن طريق المثل و تقديم مساعدة المجتمع لهذا الغرض. و من المؤكد ان سيكون لدينا ما يكفي من الوسائل لاقناع الفلاح بجميع المزايا التي يتسم بها هذا التحول و التي لا بد من توضيحها له منذ الان". (انجلس, "مسالة الفلاحين في فرنسا و المانيا". طبع الكسييفا, صفحة 17. الترجمة الروسية باغلاط. النص الاصلي في جريدة Neue Zeit).
تاكتيك نضال البروليتاريا الثوري
لما كان ماركس قد ابصر جليا منذ 1844-1845 احدى النواقص الاساسية في المادية القديمة وهي ان المادية القديمة لم تعرف كيف تفهم شروط النشاط العملي الثوري و لا ان تقدر اهميته فانه الى جانب اعماله النظرية قد اعار طوال حياته انتباها دائبا لمسائل تاكتيك نضال البروليتاريا الطبقي. و من هذه الناحية تقدم جميع مؤلفات ماركس مراجع غنية و لا سيما مراسلاته مع انجلس المنشورة عام 1913 في اربع مجلدات. ان هذه المراجع ما تزال بعيدة عن ان تكون كلها مجموعة و مصنفة و مدروسة و معمقة. ولهذا يترتب علينا ان نكتفي هنا باعم الملاحظات و اوجزها مع الاشارة الى ان ماركس كان يعتبر بحق ان المادية اذا جرت من هذا الجانب كانت غير كاملة و وحيدة الجانب و عديمة الحيوية. لقد كان ماركس يحدد المهمة الاساسية لتاكتيك البروليتاريا بالتوافق الدقيق مع جميع مقدمات مفهومه المادي-الديالكتيكي. ان حسبان الحساب بشكل موضوعي لمجموع العلاقات بين جميع الطبقات في مجتمع معين دون استثناء و بالتالي حسبان الحساب للدرجة الموضوعية لتطور هذا المجتمع و للعلاقات بينه و بين سائر المجتمعات يمكن له وحده ان يكون اساسا لتكتيك صحيح للطبقة المتقدمة. و عليه ينظر الى جميع الطبقات و جميع البلدان لا من حيث مظهرها الثابت بل من حيث مظهرها المتحرك اي لا في حالة الجمود بل في حالة الحركة (الحركة التي تنبثق قوانينها من الشروط الاقتصادية لمعيشة كل طبقة). و الحركة بدورها ينظر اليها لا من وجهة نظر الماضي و حسب بل من وجهة نظر المستقبل ايضا و فضلا عن ذلك ينظر اليها لا وفقا للمفهوم المبتذل "للتطوريين" الذين لا يلاحظون سوى التحولات البطيئة بل وفقا للديالكتيك. فقد كتب ماركس الى انجلس يقول: "في التطورات التاريخية الكبرى ليست عشرون سنة اكثر من يوم واحد مع انه قد تاتي فيما بعد ايم تضم في احشائها عشرين سنة" ("المراسلات", المجلد الثالث, صفحة 167). و في كل درجة من التطور و في كل لحظة يجب على تاكتيك البروليتاريا ان ياخذ بعين الاعتبار هذا الديالكتيك الحتمي موضوعيا لتاريخ الانسانية: و ذلك من جهة باستخدام مراحل الركود السياسي اي مراحل التطور "الهادئ" – كما يزعم- الذي يتقدم بخطى السلحفاة من اجل تطوير الوعي و القوى و القدرة النضالية لدى الطبقة المتقدمة و من جهة اخرى بالاتجاه في كل هذا العمل نحو "الهدف النهائي" لحركة هذه الطبقة بجعلها قادرة علة ان تحل عمليا المهمات الكبرى للايام العظيمة "التي تضم في احشائها عشرين سنة". ثمة بحثان لماركس بهذا الصدد يرتديان اهمية خاصة. الاول في كتابه "بؤس الفلسفة" و يتعلق بنضال البروليتاريا الاقتصادي و بمنظماتها الاقتصادية و الاخر في "البيان الشيوعي" و يتعلق بمهمات البروليتاريا السياسية. ام الاول فقد ورد كما يلي: "ان الصناعة الكبرى تجمع في مكان واحد جمهورا من الناس لا يعرف بعضهم بعضا. و المزاحمة تفرق مصالحهم. و لكن وقاية الاجرة هذه المصلحة المشتركة بينهم ضد سيدهم تجمعهم في فكرة واحدة فكرة المقاومة و التحالف...ان التحالفات تبدا منعزلة ثم تتالف في جماعات و بوجه الراسمال المتجمع على الدوام يغدو حفاظ العمال على اتحاداتهم اهم بنظرهم من وقاية الاجرة...و في هذا النضال – هذه الحرب الاهلية الحقيقة – تتجمع و تتطور جميع العناصر الضرورية لمعركة مقبلة. و عند بلوغ هذه النقطة ياخذ التحالف طابعا سياسيا". ان لدينا هنا برنامج و تاتيك النضال الاقتصادي و الحركة النقابية لبضع عشرات السنين لكل المرحلة الطويلة من تحضير قوى البروليتاريا "لمعركة مقبلة". و تجدر المقارنة بين ذلك و بين اشارات ماركس و انجلس العديدة المبنية على تجربة الحركة العمالية الانجليزية و التي تبين كيف ان "الازدهار" الصناعي يستثير محاولات "لشراء العمال" ("المراسلات, المجلد الاول, صفحة 136), و صرفهم عن النضال, و كيف ان هذا الازدهار "يفسد معنويات العمال" بوجه عام (المجلد الثاني صفحة 218) و كيف ان البروليتاريا الانجليزية "تتبرجز" و كيف ان "الامة الاكثر برجوازية بين الامم" (الامة الانجليزية) "تبدو كانها تريد اخيرا ان يكون لديها, الى جانب البرجوازية, اريستقراطية برجوازية و بروليتاريا برجوازية" (المجلد الثاني, صفحة 290), وكيف ان "الطاقة الثورية تتلاشى و تزول لدى البروليتاريا الانجليزية" (المجلد الثالث صفحة 124) و كيف ينبغي الانتظار زمنا قد يطول الى هذا الحد او ذاك "لكي يتخلص العمال الانجليز مما يبدو عليهم من الفساد البرجوازي" (المجلد الثالث صفحة 127), و كيف ان "حمية الشارتيين" 31 مفقودة في الحركة العمالية الانجليزية (1866, المجلد الثالث, صفحة 305), و كيف ان الزعماء العماليين الانجليز يشكلون نموذجا وسطيا "بين البرجوازيين الراديكاليين و العمال" (تلميح الى هوليوك المجلد الرابع صفحة 209), و كيف "ان العامل الانجليزي لن يتحرك" بسبب احتكار انجلترا و ما دام هذا الاحتكار قائما (المجلد الرابع, صفحة 433). ان تاكتيك النضال الاقتصادي بالارتباط مع السير العام (و مع النتيجة العامة) للحركة العمالية مدروس هنا من وجهة نظر واسعة شاملة ديالكتيكية على نحو رائع و ثورية حقا.
اما "البيان الشيوعي" فقد صاغ لتاكتيك النضال السياسي المبدا الاساسي التالي للماركسية: "انهم (اي الشيوعيين) يكافحون في سبيل مصالح الطبقة العاملة و اهدافها المباشرة و لكنهم يدافعون في الوقت نفسه عن مستقبل الحركة". و من اجل هذا ساند ماركس في 1848 حزب "الثورة الزراعية" بولونيا (اي الحزب الذي اثار انتفاضة كراكوفيا في 1846)32. و في 1848-1849 ساند ماركس في المانيا الديمقراطية الثورية المتطرفة و لم يتراجع قط عما قاله حينذاك عن التاكتيك. و كان يعتبر البرجوازية الالمانية بمثابة عنصر "كان يجنح منذ البداية الى خيانة الشعب" (فقط التحالف مع جماهير الفلاحين كان بوسعه ان يتيح للبرجوازية بلوغ اغراضها كاملة) "و الى اجراء مساومة مع الممثلين المتوجين للمجتمع القديم". و فيما يلي التحليل النهائي الذي اعطاه ماركس عن وضع البرجوازية الالمانية الطبقي في مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية مع العلم ان هذا التحليل هو نموذج للمادية التي تنظر الى المجتمع من حيث حركته و ليس فقط من جانب الحركة المتجه نحو الماضي..."عادمة الايمان بنفسها (اي البرجوازية الالمانية- المعرب) عادمة الايمان بالشعب, متذمرة من الكبار, مرتجفة امام الصغار... خائفة من الاعصار العالمي...فاقدة العزيمة في اي مكان منتحلة في كل مكان...دون مبادرة...كعجوز تنيخ عليه اللعنة محكوم عليه بحكم مصالح شيخوخته بقيادة الاندفاعات الفتية الاولى لشعب فتي قوي" ("الجريدة الرينانية الجديدة", 1848. انظر"التركة الادبية", المجلد الثالث, صفحة 212). وبعد زهاء عشرين سنة كتب ماركس في رسالة الى انجلس (المجلد الثالث صفحة 224) ان فشل ثورة 1848 سببه ان البرجوازية كانت قد فضلت المسالمة مع العبودية على مجرد امكانية الكفاح في سبيل الحرية. وعندما اختتمت مرحلة ثورات 1848-1849, هب ماركس ضد كل محاولة للعب بالثورة (النضال ضد شابر و ويليخ) مصرا على معرفة العمل في المرحلة الجديدة التي تهيء ثورات جديدة تحت ستار "سلم" ظاهري. ان تعليق ماركس التالي حول الوضع في المانيا في 1856 في مرحلة الرجعية الاشد اسودادا يبين باية روح كان ماركس يرغب في ان يتم هذا العمل: "سيتوقف كل شيء في المانيا على امكانية دعم الثورة البروليتارية ,بطبعة ما, جديدة, لحرب الفلاحين" ("المراسلات" المجلد الثاني صفحة 108). و طالما لم تنته الثورة الديمقراطية (البرجوازية) في المانيا وجه ماركس كل انتباهه فيما يتعلق بتاكتيك البروليتاريا الاشتراكية الى تطوير طاقة الفلاحين الديمقراطية. وكان يعتبر ان موقف لاسال هو "موضوعيا خيانة للحركة العمالية في صالح بروسيا" (المجلد الثالث صفحة 210) و ذلك بالضبط لان لاسال يتسامح مع الملاكين العقاريين و التعصب القومي البروسي. وقد كتب انجلس في 1865 اثناء تبادل وجهات النظر مع ماركس بصدد مشروع بيان مشترك في الصحف يقول: "في بلد زراعي, من السفالة ان يصار باسم العمال الصناعيين الى تسديد الضربة الى البرجوازية فقط دون الاشارة الى استثمار العمال الزراعيين على الطريقة البطريركية (الابوية) و "تحت ضربات العصى" من جانب النبلاء الاقطاعيين" (المجلد الثالث, صفحة 217) 21. و في الحقبة الممتدة من 1863 الى 1870 حينما كانت مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية في المانيا تشرف على نهايتها هذه المرحلة التي كانت تتنازع فيها طبقات المستثمرين في بروسيا و النمسا حول طرق انجاز هذه الثورة من فوق لم يكتف ماركس بشجب لاسال لمدعباته مع بيسمارك انما كان يصلح ايضا ليبكنخت الذي وقع في "حب النمسا" و اخذ يدافع عن الخصائص المحلية 22. وكان ماركس يلح على انتهاج تاكتيك ثوري يكافح بلا هوادة سواء بيسمارك ام محبي النمسا, تاكتيك لا يتكيف "للمنتصر"-اليونكر 23 البروسي- بل يحدد النضال الثوري ضده فورا, و بالضبط في الميدان الناجم عن انتصارات بروسيا العسكرية
حذر ماركس البروليتاريا الفرنسية من انتفاضة قبل الاوان, و لكن عندما قامت هذه الانتفاضة مع ذلك (1871) حيا ماركس بحماسة المبادرة الثورية لدى الجماهير "التي تصعد لمهاجمة السماء" (رسالة ماركس الى كوغلمان). ان هزيمة الحركة الثورية في هذا الوضع مثلها في العديد من الاوضاع الاخرى قد كانت من وجهة نظر مادية ماركس الديالكتيكية شرا اهون بالنسبة الى مجمل سير النضال البروليتاري و بالنسبة الى نتيجة هذا النضال من شر اخلاء الموقع للمحتل و الاستسلام دون قتال ان مثل هذا الاستسلام كان من شانه ان يثبط من معنويات البروليتاريا و ان يقوض كفاحيتها. ان ماركس, مع تقديره التام لاستخدام وسائل النضال الشرعية في مراحل الركود السياسي و سيطرة الشرعية البرجوازية, قد شجب بشدة بالغة في 1877-1878 بعد سن القانون الاستثنائي ضد الاشتراكيين25 "الجملة الثورية" لدى موست. وحمل بنفس الشدة, ان لم يكن اكثر, على الانتهازية التي كانت قد استولت موقتا حينذاك على الحزب الاشتراكي-الديمقراطي الرسمي الذي لم يعرف كيف يعطي الدليل فورا على الثبات و الصلابة و الروح الثورية و كيف يظهر جوابا على القانون الاستثنائي استعداده للانتقال الى النضال السري.
((منقول ))
شكراً لمروركم ونرجو الفائدة
ابو عصام