من كلمات القائد الخالد حافظ الاسد
(هانحن على مقربة من عيد الشهداء ، هانحن بعد غد على موعد مع عيد الشهداء وكم هي الذكرى رائعة ، عيد الشهداء عيد المجد والخلود ، الشهداء هم الشرفاء والقديسون ، لقد اختصروا قيم الحياة الفاضلة وأفعالها المجيدة بكلمة واحدة وفعل واحد هو الشهادة .
ألا نمجد الشجاعة ونمدح الشجاع ...؟
ومن أشجع من الشهيد وقد اندفع في مجابهة العدو حتى استشهد غير آبه ، ولا حافل إلا بالنصر .ألا نمدح الكرم ونثني على الكريم ...!؟ ومن أكرم من الشهيد الذي قدم دمه كاملا
ألا نعظم الوطنية ونكبرها في الإنسان ؟ ومن أكثر من الشهيد وهو الذي استشهد من أجل وطنه .ألا نكبر الأمانة في الناس ؟ ومن أكثر أمانة من الشهيد وقد أدى الواجب بكل أمانة عندما افتدى وطنه .ألا نعشق الغيرية ونطلب أن تكون من صفات الجميع ؟ ومن أكثر غيرية من الشهيد وقد استشهد من أجل شعبه .
أكتفي بهذا وقد ذكرت ما ذكرت مثالا وليس حصرا ، والشهيد الذي لخص في ذاته مجموع القيم الفاضلة وجسدها هو الإنسان الكبير الذي يجب أن ننحني أمام ذكراه تعظيما وإجلالا .
ولأن الشهيد كذلك فهو يمتلك ناصية الخلود ، عندما نتحدث عنه نشعر أننا نتحدث عن أمر كبير محاط بالاحترام ، ولا تنفصل في أذهاننا أبدا ذكرى الشهيد عن التقدير والاحترام فالشهداء أحياء في ذاكرتنا ، سجلاتنا أحياء في بلادنا تاريخنا ، وهم أحياء في ضمير القيم الخلقية الحضارية والإنسانية .
فمن يضارع الشهيد في عظمته ومن يضارع الشهيد في خلوده .
أيها الأبناء :
لقد آمنت بعظمة الشهادة وأهمية الفداء في وقت مبكر من حياتي ، وكان شعوري وقناعتي أن العبء الثقيل الذي يربص على كاهل شعبنا وأمتنا بأشكاله وحجومه ، الذي كان والذي يتوقع أن يكون ، لا يمكن إزالته والتخلص جذريا من آثاره إلا بالتضحية والفداء ، وكنت أردد رأيي هذا بين زملائي من الطلاب في ذلك الوقت ، وكان هذا دافعي للتطوع بين من تطوعوا للقتال في فلسطين عام 1947 ، وكان عمري آنذاك سبعة عشر عاما ، وكانت خيبة أمل لي وللكثيرين ممن تطوعوا آنذاك أننا لم نؤخذ إلى فلسطين ، ولم نحسن الظن يومها بمن لم يستجيبوا لحماستنا .
وعندما جئت إلى الجيش وكنت ضابطا طيارا ، وكنت أعتز بمهمتي كطيار ومهمة كل طيار ومنذ بدء حياتي العسكرية ، كنت أناقش رفاقي في ضرورة أن تشكل الدولة فرقا فدائية من الطيارين ، وكنا نستخدم كلمة الانتحاريين أو الكاميكاز ، وهي الكلمة اليابانية المعروفة ، وكنا نقول ، صحيح أن كل طيار هو فدائي بحكم مهنته ذاتها ، ومع ذلك يجب التفريق بين المهمة العادية على أهميتها وخطورتها وبين المهمة الفدائية التي تقتضي أن يذهب الطيار وينقض على الهدف المعادي فيضرب بطائرته ذاتها سفن العدو ومطارات العدو وأهداف العدو الأخرى فيتحول هو وطائرته وقنابله إلى كتلة متفجرة واحدة ، ومن شأن مثل هذه الهجمات أن تنزل خسائر كبيرة بالعدو وهي مضمونة النتيجة من حيث إصابة الهدف . كما أنها تنشر الذعر في صفوف العدو من جهة وتنبه الشعب وترفع معنوياته وتنمي وعي المواطنين إلى أهمية روح الفداء ، فتتلاحق أمواج الفداء الشعبية ولا يستطيع العدو أن يصمد أمام هذه الأمواج المتتابعة فنكسب قضيتنا ونربح حريتنا ، ويعيش الشعب سيدا في أرضه ــ ويعيش الشهداء خالدين .
ومنذ نحو أربع سنوات وكنا نناقش قضية عامة في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية ــ ولست هنا بصدد عرض المناقشة أو عرض القضية التي ناقشناها ، إذ لا مبرر لذلك ومناقشات الجبهة مسجلة كما هو معروف ، قلت خلال المناقشة ما معناه : آمل أن لا تنتهي حياتي إلا بالشهادة وأشرت إلى فضل وأفضلية هذه النهاية بالنسبة لكل إنسان .)