الحياة موقف

الحياة موقف







كثيرا من الاحيان ترانا نتحدث عن الاتي و ما يحمل من هموم و مشاكل و مفاجأت
و يظل حوارنا هامشيا لا يغوص في العمق و لا يكون له حرارة الصداقة الحقيقية و ينتهي بسرعة





ألو ....
كيف الحال .... ؟؟
ما الاخبار .... ؟؟؟
ثم
مع السلامة .... ؟؟؟
اعتقد هذا هو حديثنا الان او في اغلب الاحيان
... لماذا ...
؟؟؟؟






كان يمكن ان نسهر معا بمناسبة او لا , انا و انت , و انتِ , و هو , وهي و باقي افراد الاسرة
لو عرفت كيف تقطف المطر من الحقول
لو عرفت كيف تغزل منديلا تمسح به دمع الاحبة و الاخوة و الاصدقاء
كان يمكن ان تصنع من الوحل ( جزمة ) تحتذيها
جدتك عندما تغوص في الحاكورة كي
تقطف السلق و تخبز اقراص الحميضة بالزيت
كان يمكن ان نتحدث كثيرا
عن طفولتنا التي ذابت في المطر و تجمدت
في الصقيع او عن يفاعة يكتبها الورق
و اقلام الرصاص و ضوء الكاز
أتذكر كيف كنا نغني .. كنا نهدر ..
و النهر يهدر .. و يأخذ حذاؤك الصغير و محفظتك .
كم تجتاحني تلك الرغبة ـ و انت في قصرك العالي ـ
ان احدثك عن قرامي الزيتون و مكدس
الحطب و الصفصاف الذي يتدلى على
وجه الماء ليرى نفسه .
الآن و بعد ان ابتعدت ـ كما يبدو ـ كثيرا
عن ضفة النهر و اصبحت المسافة بينك و بين القرامي
كبيرة جدا .
بماذا سنتحدث في السهرة ؟؟؟؟
أيعقل أن تصلبني امام التلفزيون ؟؟؟
أنقبع صامتين كأننا غرباء في محطة سفر ؟؟؟






لو انك تعرف ان تغني مثل الفلاحين او تتذكر
لهفة والدك الفلاح و هو ينتظر الزوادة
عندها يترك الثورين و يجلس على التراب الرطب
الذي يفوح منه رائحة الحياة
رائحة تاريخ قديم ـ اخاف عليه من الرحيل ـ فاذا
ما رحل لن تترك قصرك و تركض وراءه لتعيده
فالفقراء و الفلاحون و العاملون هم الذين يشعرون
برائحة التراب المبلول بالمطر


أتعرف لماذا ... ؟؟؟
لانهم يلتصقون بالتراب اكثر
يلتصقون بالارض اكثر
لو نفتح زوادة الزمن القديم نبسمل اولا بعد ان نفرك
ايادينا بالتراب
سنأكل الطعام القروي
أتعرف مما يتكون ..؟؟؟
" بصل , شنكليش , خبز تنور و زيتون اخضر
غامق كالتعب "





لِم تركض ...؟؟
الرياضة متعبة .. لاحظ كم انت ثقيل
كأن قدميك مربوطتان الى الصخر
انزل الى الارض ... لا تخف من شوكها
و زرعها و شمسها الحارقة
احفر ... ازرع .. عند ذلك ستحب الارض
اكثر و ستنسى الشوارع المكتظة بالكسل
و الثرثرة و الاشياء الزائلة
ألا تعرف قول سقراط عندما سار في شوارع اثينا ؟؟؟؟
" تلفت الى الواجهات و قال : ما اكثر الاشياء
التي لا احتاجها "






برأئك لو مشى سقراط في الشوارع الآن ماذا سيقول ؟؟
و ماذا يقول جدك الذي تعلق صورته في المنزل
و البارودة على كتفه و حزام الخرطوش
على وسطه ..؟؟
سيقول : زحمة ... تلوث.. ضياع
و سيقول : اعيدوني الى زماني أو جهزوا لي
ريجيما قاسيا لهذه التخمة




(( على فكرة امي او امك قد لا تعرف
معنى الريجيم لكنها تعرف كيف تحوك
منديلا تغطي به رأسها و تمسح به دموع فرحها
و هي تستقبل ابنائها العائدون
امي كانت تعمل في الارض لذلك
لها قامة مشدودة بالصبر اكثر من
تلك الزوجات ؟؟؟ التي خضعن لعدة
عمليات شد وشفط





لماذا تنزوي حيث انت في قصرك العالي ؟؟
لم يدخل بيتك احد من الريف ؟؟
صرنا نعرف انك نسيت عادة الريف و عادة
اغاثة الملهوف ؟؟






لو تأتي الى الريف ستتعلم كيف تكرم
الضيف كيف تربي اولادك على عادات
الريف الاصيل ستصرخ بهم كي لا
يكونوا اشباه رجال بل عليهم ان يصيروا
شامخين كشجرة دلبٍ لا يحنون
هامتهم الا للخالق ..


لأن الحياة موقف


و الموقف رجل و بندقية و قامات لا تنحني













شكرا لكم جميعا