عندما بدأت القصيدة العربية الحره أو
المنثوره تنتصر في سبعينيات القرن المنصرم كان من فرسانها الأشاوس رياض
الصالح الحسين.هذا الشاعر الانساني الفذ التي لم يمنحه العمر. القدر الكافي ليعطي
ما لديه فترك لنا أربعة دواوين ثلاثة منها طبعت في حياته والرابع كان قد
أنجزه فطبع ونشر عام 1983 وكان الشاعر قد توفي عام 1982 ولم يتجاوز عمره
ثمانية وعشرين عاما.
وما تجده في شعره مما يغني العقل والوجدان لاينتهي عند حد ولا الموت
يستطيع أن يجعلنا ننسى هذا الشاعر ونشعر أنه بيننا لأنه يعيش في وجداننا
يقدم لك روائع الشعر بإسلوب سهل سلس غير عصي على الفهم فتشعر في كثير من
الأحيان وأنت تقرأ له بأنك كنت تنوي أن تقول هذا الكلام بشكل من الأشكال..
هذا هو رياض الصالح الحسين
والجدير بالذكر أنه كان يكتب هذه الصور برقيها وروعة معناها وتؤدي دورها العظيم وهو عاجز عن نطقها وعن سماعها.
أربعة دواويين هي..
.خراب الدوره الدمويه
...أساطير يوميه.
..بسيط كالماء واضح كالطلقه
...وعل في الغابه...
وقد أخترت هذه القصائد متمنيا لكم الاستمتاع بها :
غرفة الشاعر
يفتح بابَ الكلماتِ و يدخلُ بخطىً خائفةٍ
في أنحاءِ الغرفةِ
بعض قصائد ذابلة
كلمات تتمدد فوق الكرسيّ
و أخرى تتعلّق بالمشجب
سنبلة تهرب من بين أصابعه
و طيور تقتحم الشفتين
يرى عشبًا ينبت في المكتبةِ المهملةِ
و نبعًا ينبثق من الحائط
بعد قليل سوف يداهمه الليل بأقمار و كوابيس
تداهمه أشجار الغابة
و رمال الشاطئ
و حصى الأنهار
و آبار فارغة
يملؤها بحروف سوداء
ماذا يأخذ من جثث الأيام
و ماذا يترك
غير قصائد ذابلة
و غبار الكلمات؟
و بعد قليل
سوف يداهمه الشرطيّ
ليسأله عن جمل غامضةٍ
و يحذره من استعمال "القُبلة" و "القنبلة"
و يمضي..
هو ذا الشاعر
يفتح نافذة القلبْ
يغلق عينيه
و يحلم بقصيدة حبْ
****
غرفة المحارب
يتوسد خندقه الرمليّ وحيدًا
و يداه تحيطان برشاشٍ مملوء بالموت
سيأتي الزوّار مساءً
زائرة تحمل للأرض قنابل ضوئية
أُخرى ستمشط بالنار سهولاً تمتدُّ
سيأتي الأعداء مساءً
كقطيعِ ذئابٍ كاسرةٍ
يلتهمون بيوت الطين
و أشجار التفاح
و كرّاسات الأطفال
و رأسَ الجنديّ
الجندي يرتب غرفته الرملية
الماء هنا
و الطلقات هناك
و ها هي صورة نرجسة تبتسم لجندي
يحملُ رشاشًا و خضارًا
الزوار يجيئون
فأهلاً
يطلق طلقته الأولى
سيظل يقاتل حتى آخر حبّة رمل من هذا الخندق
****
غرفة السائح
العالم غرفة هذا السائح
إذ يمضي في ردهاتِ العالمِ
يجمع أحجارًا من مدنٍ بائدة
و نقودًا لشعوب أهلكها الزلزالُ
و يجمع صورًا لجوامع
و متاحف
و تماثيل مرعبة
يمشي في أرصفة الدنيا
فيرى سفاحًا فيصوّره
و بائعَ ليمونٍ فيصوّره
و راقصة يسألها:
ماذا تعني
"Merci "
بالعربيةِ
و لماذا لا يزرع هذا الشعب "الأناناس"؟
السائحُ يفهمُ أو لا يفهمُ
يعلمُ أو لا يعلمُ
سيظل يسير و ينظر و يصوّر
فالعالم غرفة هذا السائح
و النافذة كاميرا
****
غرفة مهدي محمد علي
هي ذي غرفته تنهض من بين الأنقاض
مسيّجةً بدمٍ و عبيرٍ
ندخلها في الليل كقديسين جميلين
و يدخلها الشيوعيون، و عباد الشمس،
و أخبار المدن المشتعلة
هي ذي غرفته
أبعد من وطنٍ
أقرب من رمشِ العين إلى العين
و يا مهدي
أرنا كفيك
ألم تنمُ الأعشاب عليك
ألم تورق أغصان القلب
و ماذا يحدث لنبات البصرة
و تراب البصرة
....
....
....
هي ذي غرفته
أجمل من قبر
و أعلى من شجرة نخل
و صاحبها
طير في قفصٍ
يفرك عينيه، يبعثر أوراقًا و رسائل،
يكتشف امرأة في فنجان القهوة
ذات مساء
سوف تدق الباب نباتات الزينةِ
تأتي الأزهار، و أشجار الصفصاف،
و أعشاب الغابة، و ثمار اليقطين
و تحتل الغرفة
.........................أحييكم بخالص الود
...........................تامر رسوق