الى كل من لا يحب ناجي العلي ولا يخلع قبعته
اجلالا امامه, اذا وقعت هذه السطور بين يديه ,حتى لو كانت الصدفة هي من قاده الى
هكذا مقامرة. نقترح ان يعتذر للتاريخ ويتوقف هنا وان لا يكمل القراءة.وحبذا لو ضرب
نفسه ببسطاره ان امكن ,او بالشلورت كما كان يحب حنظلة معاملة الضيف ثقيل الظل. اما
الفقراء من طنجة الى عدن فمصرح لهم المبيت بين هذه السطور. بعد ما ضاقت بهم بلاد
العرب و لم تترك متسع لهم سوى المقابر او اضرحة شهداء زمن الاستقلال, و في احسن
الأحوال مكان في طابور العاطلين عن العمل -المكان الاوحد الذي لم تتطاله خصخصة
الليبرالية الجديدة المتأمركة .
ان التعاطي مع انتاج ثوري فني ادبي اجتماعي سياسي بحجم
وقيمة انتاج ناجي العلي , تفرض سبيل واضح وجذري في التعاطي فهما ونقدا لاعماله
,فمن غير الممكن التعاطي مع ظاهرة ناجي العلي بشكل غير جذري وبشكل غير منحاز- طبعا
لمن انحازت لهم- اذ ان انعدام الجذرية في الثورة او في الكتابة الثورية ذاتها ,
يؤدي الى ان يعود العفن القديم كله ,
بحسب تعبير المرحوم ماركس . فكما كان ناجي منحازا لمن هم
–تحت- لا لرصيد حسابه او البورصة لا بد من التخلي عن –عدم الانحياز- الدائم اولا و
فهم احتياجات الشعب للحرية و الكرامة اكثر من –سلام اقتصادي منهزم- فمرحلة التحرر
لا يمكن ان تقودها عقول خالية من الفهم الجذري لقضية شعبها اواصلا خالية من هذه
القضية.
كيف لنا الا نحب (جذرية) ناجي العلي وقد فرغ هذا الوطن
العربي الكبير التعيس من المبدعين والمفكرين والفنانين المستمرين او المستمرات
بانتاجهم او بانتاجهن بجذرية و بتنا بحاجة لغربال لتنقية مكتباتنا و ايجاد من
يعطينا امل باستمرارية الانتاجية الثورية .محزن حين يكون الموت مجددا سببا لنخسر
طلائعنا الثورية واحدا تلو الاخر,
فكم من اديب وروائي وناقد وصحافي ومناضل قد اخذ منا ,
دون ان تجترح الامهات العربيات غيره , وهنا لا نلومهن ولا نحملهن مزيدا من العبء
,فلا نلوم فاطمة التي عكس ناجي من خلالها الدور الريادي للأم و الزوجة الصامدة
الجميلة المكابرة. و نبدي مجرد الاسف والحسرة الى حدود النقمة على خسارتنا
المستمرة لمبدعينا , طبعا دون نبوغ أي مستجدين على ساحة النقد والادب والاعتقاد
السياسي- "الا من رحمت منهم الألهة". وتكون النقمة مضاعفة بالتاكيد حين
يكون الموت تسلل الى ما تبقى لنا من العظماء خارج ارادة الطبيعة, أي كما تحب
انظمتنا و رجالاتها كبيري البطون عريضي الرقاب واسعي الذمة بالاغتيال والتصفية
السياسية والجسدية ,بناء على اعتقاد الاجرام الفاشي بان التصفية الجسدية طريق الى
تصفية الرسالة والفكرة .
لقد شهدت ساحة التصفيات في وطننا الكثير , من ماجد ابو
شرار الى مهدي عامل ومن ثم ناجي العلي والكنفاني العظيم والكثير من ابناء شرق هذا
المتوسط المؤهل للثورة دائما والغير ثائر دوما . حتى ان الملاحقة امتدت للمقابر ,
والمثال الشاهد والكبير هو الفعل المخزي لمن قاموا به من تخريب لضريح عبد الرحمن
منيف في دمشق " لا نتهم أل سعود هنا ابداّ , فقط للملاحظة ". فكما ضاقت
بك شوراع و جرائد هذا الوطن حيا يا ناجي , تضيق بأمثالك قبوره.
ايا كانت يد التصفية والاغتيال التي تتطال مبدعينا مرارا
و تكرارا, و ايا كان الالتباس الدائم في تحديد هوية القاتل,و ذلك لكثرة من يتمنى
زوال المفكرين الثوريين في هكذا زمن . فالاتفاق قائم على الاقل بالجزم بفاشيتها
وانعدام ادنى حس للحياة والحياء لديها , كما ان الاعتقاد قوي بل ومبرر بفشل هذه
السياسة الا من حرماننا من مزيد من انتاج مبدعينا -العضويين بمفهوم غرامشي - , فلم تنجح
عمليات التصفية هذه يوما في مسح الاثر لمثقفينا الحقيقيين , بل زادت اثرهم خلودا , فان احرار
العالم اليوم يذكرون سلفادور الليندي
, لا بينوتشي وعصابته , ويذكرون يوليوس فوتشيك لا جلاديه
ومشنقته , كما يذكرون حنظلة . لا "الغانغسترز" الذين تجرؤوا عليه .
و تبقى –و للأسف- رسومات ناجي تعكس واقعنا الحاضر لا
الماضي فقط. ناجي الذي علمه استاذه في المدرسة ابو ماهر اليماني ان يحب علم فلسطين
و يرفعه دون وجوب مرسوم وزاري باستبدال الاعلام التالفة بجديدة -بدل استبدال ما
تحويه تلك الأبنية من قيادة ممزقة. ناجي الذي رسم على جدران المخيم ما يذكره
ببلاده ,لا على جدران تفصله عن بلاده.
ويبقى حنظلة الامير الفلسطيني الفقير , الذي يشكل ظلاّ
ملونا لكل منا , ويحمل من تفاصيلنا اكثر ما نحملها انفسنا , ويكفي تربعه على زنود من قضوا على مذبح
التحرر والانعتاق , وقلائد رفيقاتنا الرائعات , وقمصان طلاب الابتدائية في مخيمات
اللجوء , وصولا الى كل من غنى لفلسطين متضامنا , فيبقى ناجي ويبقى حنظلة ,
ويندحروا هم , وسيبقى يطاردهم حنظلة الى المقابر , شرفك الثوري يا حنظلة
ينتقل في دم احرار العام , وخزيهم ينتقل في سلالتهم السياسية العفنة والمريضة .