كيف نعالج السخط؟
إن من أبرز مظاهر السعادة هو الشعور بالرضاء وبالسرور في هذه الحياة والتغلب على أحاسيس السخط والنفور وعدم القبول، إذ أن الساخط يعيش دائماً معاناة التناقض مع حياته، ويشعر بكراهية نفسه وعالمه، فيتعامل مع نفسه ومع الآخرين بمشاعر الحقد والانتقام.
ومثل هذا الانسان لا يعرف الاستقرار ولن يتذوق طعم السعادة، فهو أبداً يشعر بالمرارة والألم ويعاني التمزق والشعور بالخيبة وعدم النجاح.
وإنسان كهذا الانسان الساخط ليس بإمكانه أن يستوعب رسالة الحياة ولا يمكنه أن يكون مؤهلاً لاستشفاف مضامين الخير في هذا العالم الرحيب، ولا أن يمس قلبه الإحساس بالحب والجمال المستغرق لأبعاد هذا الوجود البهيج، وليس بمقدوره أن يكون العقل الواعي المتفتح الذي يدرك مسيرة الخير والجمال التي تشيع المسرة في النفوس الراضية، وتملأ القلوب المتفتحة بالحب والشوق إلى كل أفعال الخالق الحكيم بكل آلامها ومسراتها.
ولكي يجتاز الانسان أسوار هذه المعاناة ويخرج إلى عالم الحب والرضاء ويتذوق طعم الإحساس بجمال الوجد ومسرات الحياة، لابد له من أن يحدث إنقلاباً فكرياً ونفسياً في تصوراته ومعتقداته وأحاسيسه، وفي تعامله مع العالم وما يجري في دنيا الإنسان من حوادث ووقائع.
على أن هذا التعبير الانساني والتحول النفسي والسلوكي من السخط والتمزق إلى الإحساس بجمال الحياة والوجود والشعور بالرضاء والقبول بمسرات الحياة وآلامها، يحتاج إلى جملة من العوامل والمبادئ الأساسية،
1 ـ الإيمان بالله والتطابق مع إرادته:
2 ـ إعادة بناء القوى النفسية والأخلاقية:
يتعرض الانسان خلال نشأته ونموه إلى عوامل كثيرة تؤثر في بنائه النفسي والأخلاقي ـ تأثيراً سلبياً أو إيجابياً حسب طبيعتها وواقعها ـ كالبيئة والوراثة والتربية، فتساهم تلك العوامل مجتمعة في صنع الشخصية المريضة إن كانت تلك العوامل شاذة منحرفة، بعد أن تتفاعل مع القوى النفسية الداخلية فتعطي نتائج مرضية خطرة تضر بسعادة الفرد وسلامة الاتجاه الداخلي لديه.
وبسبب هذه العوامل المنحرفة تتعرض القوى النفسية والملكات الأخلاقية إلى الضعف والانحراف والتسافل عندما تتخذ طابع السجية المتأصلة في ذات الفرد وفي مواقفه السلوكية المختلفة، فتصب هذه الخصائص النفسية قوة حركية دافعة له نحو السلوك الآلي الشاذ، السلوك الذي يختفي فيه دور الإرادة ويتوارى منه تأثير الموازنة والتقويم.
ولكي ينتشل الانسان من هذه المأساة الأخلاقية المؤلمة وينقذ من حالته النفسية التي يظل يعاني منها ساخطاً ومتنافراً مع قيم الحياة وقدرها، لابد له من إعادة تنظيم الشخصية وممارسة عملية تحليل وتطهير باطني لأعماق الفرد وتصحيح دوافعه وملكاته الأخلاقية، وتنمية مشاعر الحب والإحساس بجمال الوجود واستشفاف روح الخير في هذا العالم: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد/ 11.
ليتحول من إنسان ساخط إلى إنسان يشعر بالرضاء والسرور ويحس بجمال الوجود وسمو معاني الخير من حوله في هذا العالم.
3 ـ تحسين الظروف والأوضاع الخارجية:
تلك الأوضاع والظروف الخارجية من ثقافية واقتصادية وسياسية وتربوية، والتي تشكل محيط الانسان الفكري والاجتماعي، والعمل على تغييرها من حالتها السيئة المؤلمة التي تشكل ضغطاً وتناقضاً مع خير الإنسان واتجاهه الفطري السليم، إلى حالة تتوفر فيها ظروف العيش الكريمة وحياة الدعة والاستقرار
ولقد سعى الاسلام مجداً لتشكل هذه الظروف الرضية السعيدة من حول الانسان، ليشعر بالرضاء والسرور والدعة في الحياة: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) الأعراف/ 157.
*المصدر : البلاغ